اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني فاطمة يونس الزق، على حاجز بيت حانون "إيرز" خلال مرافقتها لابنة أخيها المريضة آنذاك، بتهمة التخطيط لعملية استشهادية، لتبدأ حياة جديدة متنقلة من سجن المجل إلى هشارون، وتجديد الحبس دون محاكمة لمدّة سنة..
لم تكن فاطمة، الأم لثماني أبناء، تعرف أنها حامل في شهورها الأولى، وأن رحلتها في الأسر سيرافقها طفلها الجميل بكل قوّة، فخلال إجراء الفحوصات الطبية بمجرد دخولها إلى سجن عسقلان عرفت بحملها.
واجهت الزق في الأسر العذاب والحرمان والضغوطات النفسية، دون أي مراعاةٍ لوضعها، حيث تركها الاحتلال في زنزانة تحت الأرض مكتظة بالحشرات وكان الصرف الصحي يملأ المكان، والإضاءة كانت شديدة جدًا والمكيف بأعلى درجاته، كانت ترتعد من شدة البرودة، وأصيبت بحساسية شديدة من القاذورات، بالإضافة إلى بثور صديدية في الرأس.
أخذ العذاب النفسي والجسدي من صحتها ما أنهكها، الجلوس على جهاز الكذب وشبك أسلاك كهربائية في أنحاء جسدها لساعات طويلة، وعلى مدار ثلاثة أيام، ومحاولات كثيرة لإجهاض جنينها بتقديم حبوب غير معروفة، وتعرضها للكمات على الوجه.
في كل زنزانة خلال تنقلها ثلاث مرات كان يتواجد "العصافير" -العملاء- لانتزاع المعلومات منها، كما أن الزنزانة -نفسها- كالقبر، تفتقد النور والأكسجين لامرأة تحمل حياة في داخلها، رائحة السجائر والصرف الصحي وسوء التغذية، والتحقيق الطويل المميت على مدار أيام ليلًا ونهارًا، ومع ذلك لم يثنِ ذلك من عزيمتها.
أصيبت الزق خلال أسرها بنزيفٍ حاد حتى كادت تفقد جنينها، وفي اليوم الثامن عشر من العزل في الزنازين والتعذيب، والتحقيق، قابلت ممثلي الصليب الأحمر والمحامي وأبلغتهم بوضعها الصحي وبكل الانتهاكات والممارسات الصهيونية الهمجية بحقها، وهكذا نقلت من زنازين عسقلان إلى سجن هشارون.
لم تنتهِ المعاناة عند هذا الحد، بل استمر حتى في ولادتها، حيث رفض الاحتلال وجود أقارب للأسيرة بجانبها، وقيدوها بالسلاسل من القدمين واليدين لثلاثة أيام متواصلة، كانت ولادتها على يد طبيبة صهيونية تصرخ بها أنها "ستلد إرهابيًا" حسب وصفها.
أخيرًا، خرج الجميل يوسف من رحم أمه إلى جانبها، ليترك في قلبها نورًا يضيء عتمة الزنازين ويهوّن عذاب السجان، لكنّ محاولات الاحتلال في قتل كل شيء جميل في حياة الفلسطيني، والاستمتاع في التعذيب والهمجية، فقد تعرض يوسف بعد أربعين يومًا من الولادة بوعكةٍ صحية كادت تودي بحياته، خرج الزبد من فمه ووصلت درجة حرارته إلى 39 درجة ونصف، وأهملت إدارة السجن علاجه، لكنّ الأسيرات ساعدنها بعلاجه حتى شفي تمامًا.
استمر اعتقال يوسف مع والدته حتى بلغ عمر الثلاث سنوات، وتم تقديم فاطمة للمحاكمة عدة مرات ولم يصدر حكم بحقها، حتى أفرج عنها وعن ابنها ضمن صفقة في يوليو 2009، تم بموجبها الإفراج عن عدد من الأسرى في الضفة وأسيرتين من قطاع غزة.