جمعية الدراسات النسوية التنموية الفلسطينية
The Palestinian Development Women Studies Association
P.D.W.S.A
الجمعة : 2024-04-26

الأسيرة المحررة فيروز عرفة.. شتاء 1970

2019-07-09
الأسيرة المحررة فيروز عرفة شتاء 1970
الأسيرة المحررة فيروز عرفة

ليلة الرابع والعشرين من ديسمبر عام 1970، الساعة الواحدة صباحًا، كان الاحتلال الصهيوني يواصل اقتحاماته الهمجية في أحياء قطاع غزّة بينما الناس تحاول سرق ساعة للراحة والنوم قبل أن تدّق الأبواب أو تطوق البيوت، لكنّ الاحتلال حدد هدفًا سريعًا للاقتحام، غزّة/ حيّ الدرج، بيت رباح عرفة.

كانت فيروز رباح عرفة،22 سنة، هي الهدف المحدد للجنود، أحضروا السلالم، صعدوا إلى السطح الأعلى، طرقوا الباب، وما أن فتح والد الأسيرة المحررة فيروز الباب اقتحم الجنود المنزل، فتشوا المنزل كالمجانين وسألوا عنها، وفور ظهورها أمامهن، بدأوا بسحبها أمامهم، لكنها رفضت الخروج معهم دون أن تغيّر ملابس النوم، توالى رفضهم وإصرارهم، لكنّها في النهاية حصلت على مرادها.

وهكذا اقتادوها إلى سجن السرايا، ثم أدخلوها إلى غرفة الأمانات لتغيير ملابسها للباس السجن، لكنها رفضت لأن الملابس ممزقة ومتسخة، مما أدى إلى مشادة كلامية بينها وبين المجندة حتى كادت الأخيرة أن تضربها، لكنّ فيروز أمسكت بيد المجندة في محاولة للدفاع عن نفسها، صارت المجندة تصرخ "أسيرة مجنونة" فأحضر الجنود إحدى الأسيرات التي أقنعتها بتغيير الملابس، ثم نقلوها إلى غرف التحقيق.

كان التحقيق بحضور ضابط المخابرات "أبو ســالم" مســؤول الحملة التي اعتقلتها، في الطريق إلى هناك، كان شــباب معلقين على الحائط مكبلي الأيــدي ورؤوســهم مغطاة، هنــاك عدد منهم يصرخ من التعذيب والضرب، أدخلوها غرفة بها أربعة محققين جالســين على الطاولة، عرفوا عن أنفسهم "أبو سالم وأبو موسى وأبو حديد وأبو فريد"، كلها أسماء مستعارة، ثم شرعوا بتوجيه الأسئلة حول تهمة الانتماء للجبهة الشعبية وتوزيع منشورات وأسئلة أخرى حول المقاومة.

بدأ التعذيب النفسي بدايةً، من هدم المنزل وإحضار الأهل، التهديد بتمزيق الملابس والألفاظ البذيئة، شتم الأهل والذات الإلهية، كانوا يرددون أثناء التحقيق:" خمس دول عربية لم تستطع هزيمتنا.. أنتم بدكم تهزمونا" حسب قولها، ثم تركوها لخمسة أيام في الزنزانة دون أن يكلمها أحد، كممارسة لأسلوب التجاهل.

ثم انتقل الجنود إلى التعذيب الجســدي، شد الشــعر وخلعه بقوة، وأحيانا كثيرة كانوا يمزقون شــعر من شــعرها ويلفونه على معصــم يدها، هددوها بخلع أظافرها، حتى أنهم أحضــروا عدة أدوات حادة مثل الزرادية والمكبس والسكاكين والمنشطر، تعرضت للشــبح؛ وهو الوقوف على الحائط مرتدية على رأسها كيسًا أسودًا رائحــته عفنة ورائحــة دم؛ لأن هذا الكيس يكون مكان شــباب تعرضوا للضرب على رؤوسهم وسالت به الدماء.

 كانوا يستخدمون في التعذيب الماء البارد والساخن، فكان هناك دش ماء في المردوان يتحكمون في فتحه، تستذكر عرفة:" أن أحد المحققين أمسكنها بقوة من شعرها وكتفها ودفعها بقوة تحت الماء البارد للغاية في فصل الشتاء، ثم بعد ذلك أجلسوها على كرسي أمام مروحة باردة، كرروا معها هذه الفعلة مما أدى إلى إصابتها بالتهابات حادة في الصدر والشعب الهوائية، كما حدثت التهابات في منطقة الثدي وتحولت إلى ســرطان، الأمر الذي أدى إلى اســتئصال الثدي بعد الخروج من الســجن، هذا كله بسبب التعذيب وآثار السجون".

 في إحدى المرات، أدخلوها لزنزانة بها أحد الشــباب الأســرى الفلســطينيين، كان شــابًا يجلس على الأرض، وعندما رأته شــعرت بالخوف لكن فجأة قام بالتأشــير بيده بأن لا تخاف، وعلى إثر ذلك زال خوفها.

أجلسوها في إحدى المرات على جهاز كشف الكذب، وهو جهاز موصول بأسلاك كهربائية يقيس درجة الخوف أو التوتر أثناء التحقيق، لكنهم لم يحصلوا على شــيء منها، واصلوا ضربها واهانتها، حتى أنهم في إحدى المرات بصقوا على وجهها وحاولوا تمزيق ملابسها، لكنها صرخت في وجوههم ودافعت عن نفسها.

ومن أصعب أنواع التعذيب الجســدي التي مارســوها ضدها، أن أحد ضباط التحقيق كان جالسًا على الكرسي وهي مقيدة من الخلف بيدها أمامه فقام بواسطة حذاءه العسكري، بالدعــس على معدتها، مما جعلها تعاني حتى اليوم من آلام المعدة، كما أنّ أحد المحققين صفعها على وجهها أثر ذلك على عينها، التي اكتشفت فيها ضعف بسبب الضربة، كان كل هذا التعذيب في45 يومًــا، قبل أن يتم إصدار حكم بحقها بالسجن لمدّة عام ونقلها إلى قسم الأسيرات، لكنّ التعذيب لم ينتهِ عند هذا الحد، فقبل انتهاء حكمها بأسبوع نقلت إلى الزنزانة.

خرجت عرفة من السجن لترى الحرية التي اشتاقت لها خلال العام بعيدًا عن قيود السجن والسجان، لكنّ الاحتلال لم يتركها تتم السنة الثالثة من الافراج حتى اعتقلها مرة أخرى في آذار/75 مرّة أخرى، ليتكرر التعذيب لمدّة ثلاثة شهور، ثم أطلق سراحها وسافرت إلى المملكة العربية المتحدة السعودية، لترى أخاها، وأثناء عودتها عبر جســر الأردن، اعتقلتها قــوات الاحتلال لمدة ثلاثة شــهور أيضًا، ليعود التعذيب مرّة أخرى.

كانت التهم كل مرّة تتكرر، يفتحون نفس الدفاتر، ويطلقون التهمة التي يريدونها، حتى أن التهمة الأخيرة كانت السفر لمقابلة فدائيين، لكن كل اتهاماتهم كانت تسقط مع عزيمتها وإصراره على عد الاعتراف، ومثل كل مرّة أطلق سراحها هذه المرّة أيضًا، لكنها اتجهت لاستكمال دراستها، حتى حصلت على درجة البكالوريس تربية تاريخ من الجامعة الإسلامية، وتزوجت الأسير المحرر سعيد ناجي.

عملت عرفة في الهلال الأحمر أمينة المكتبة هناك، وهي عضو في جمعية الدراسات النسوية التنموية الفلسطينية.